القائمة الرئيسية

الصفحات


شقة بالصين كاصغر قطعه سكنية بالغالم

في مشهد يصعب تصديقه، انتشر في الصين مقطع يُظهر ما يُطلق عليه اسم «شقة سكنية» لا يتجاوز عرضها ثلاثين سنتيمترًا فقط، أي ما يعادل عرض مسطرة مدرسية، ومع ذلك لا تُعرض للسخرية أو الفضول فحسب، بل يجد الناس أنفسهم مصطفّين من أجل العيش داخلها. هذه المساحة الضيقة لم تُقدَّم كحل هندسي مبتكر، بل تحولت إلى رمز قاسٍ وصادم لأزمة السكن الخانقة التي تعيشها المدن الكبرى، حيث لم يعد السؤال يدور حول جودة الحياة، بل حول إمكانية البقاء داخل المدينة دون التشرد. داخل هذا المكان، بالكاد يمكن وضع سرير ضيق يمتد بمحاذاة الجدار، وتلفاز صغير وُضع بشكل جانبي لأنه لا يوجد خيار آخر، ولا مساحة للحركة أو الالتفاف أو حتى الجلوس براحة. كل تفصيلة يومية تتحول إلى معركة، حتى وضع علبة طعام يصبح فعلًا مدروسًا. ورغم كل هذا، فإن الطلب على هذه «الشقق» قائم، والسبب واضح وبسيط: السعر. تكلفة الإقامة لا تتجاوز دولارًا واحدًا تقريبًا في اليوم، أي ما يعادل خمسة وثلاثين دولارًا في الشهر، وهو رقم يبدو تافهًا مقارنة بأسعار الإيجارات المرتفعة في المدن الصينية الكبرى. بالنسبة للطلاب، والعمال المهاجرين، وأصحاب الأجور المتدنية، لا يمثل هذا المكان خيارًا مريحًا، بل خط الدفاع الأخير قبل النوم في الشارع. السكن المصغّر ليس ظاهرة جديدة في الصين، فقد عرفته المدن منذ سنوات، لكن ما يحدث اليوم يكشف انتقاله إلى مرحلة أكثر تطرفًا، مرحلة تُعرّي الواقع دون تجميل، وتكشف حجم الضغط الناتج عن الاكتظاظ السكاني، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتقلّص فرص السكن الكريم. لم يعد الأمر يتعلق بأسلوب حياة عصري أو تجربة مؤقتة، بل بواقع مفروض على فئات واسعة من المجتمع. هذه المساحات ليست انعكاسًا لرغبة الناس في العيش بأقل القليل، بل دليل على نظام اقتصادي وحضري يدفعهم إلى ذلك دفعًا. عندما يصبح مكان بهذا الضيق مرغوبًا، فالمشكلة لا تكمن في الجدران أو الأمتار القليلة، بل في المنظومة التي جعلت الحد الأدنى من المأوى إنجازًا يُحتفى به. هذه الظاهرة ليست قصة غريبة للدهشة العابرة، بل رسالة إنذار واضحة لكل مدينة تسير في الاتجاه نفسه، حيث يتحول السكن من حق أساسي إلى امتياز نادر، ويصبح البقاء داخل المدينة معركة يومية لا تُقاس بالراحة، بل بالقدرة على الاحتمال.

تعليقات